اخفاء القائمة الجانبية من الموضوع

مفاهيم مقاصدية هكذا نفهم سنن الحياة للشيخ الدكتور ريّان توفيق

مفاهيم مقاصدية.. هكذا نفهم سنن الحياة للشيخ الدكتور ريّان توفيق
يتعرض الإنسان لمحن يرشح عنها طروحات فكرية تصل في بعض الأحيان إلى درجة التشكيك بالثوابت، والقفز فوق فضاء القيم
فثمة من يشكك بالعدل الإلهي، ويتساءل لم المصائب والنكبات مع أننا لم نقترف ذنبا؟
لماذا تعيش أمم الأرض في ظل السلام وراحة البال والتطور، ونحن نعيش حياة مجازية، تفتقر إلى الحد الأدنى من المقومات؟
لماذا الحروب والأمراض في بلداننا بينما غيرنا ينعم بالاستقرار والأمان؟
الخلل في هذا الطرح يكمن في فرضيته؛ إذ إنه يفترض أن محن الحياة وشظفها يرتبط بما قدمه الإنسان من ذنوب أو تجاوزات،
والحقيقة أن هذا التصور لم يأت من فراغ؛ فعلى مدى عقود من الزمن فإن الثقافة التي زرعت في عقولنا عبر الخطب والمواعظ تختزل مشهد التقدم الحياتي بالمقدار الكمي من الطاعات
فاستقر في أعماق نفوسنا أن الرقي يتناسب طرديا مع ما يقدمه الإنسان في الجانب التعبدي المحض، أو على الأقل بالحفاظ على المستوى المعقول لسير الحياة، وإذا ما أخفق في الجانب العبادي أو قصر فإن النتيجة هي المصائب والآلام.
لا شك أن هذه الفرضية تفضي إلى هذا التصور، بيد أنها تتهاوى أمام المنطق القرآني الذي قدم الرؤية الموضوعية التي تخضع لها سنن الحياة؛
إذ التقدم والرقي يرتبط بأسبابه، فعلى قدر الأخذ بالأسباب وتطويع خزائن الأرض يتحقق التقدم والرفاهية
لقد طلب أهل الأزمنة الغابرة من ذي القرنين أن يبني لهم سدا كما حكى القرآن الكريم ذلك: ((قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا )) فلم يقل لهم: الزموا الدعاء أو الصلاة مثلا ، بل قال لهم:((مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ))
فقد طلب منهم أن يعينوه بقوة، ثم فسر لهم هذه القوة لئلا يذهبوا بعيدا في تفسيرها، فقال: "آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ" ثم قال لهم: "انْفُخُوا" وبعد ذلك قال لهم: "آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا" فطلب منهم أن يستثمروا التكنلوجيا المتاحة في ذلك الزمن لإنشاء السد

كما أنه طالبهم بالمشاركة؛ ليكتسبوا الخبرة، ويعتمدوا على قدراتهم مستقبلا، ويحققوا الاكتفاء المعرفي.

فالتقدم في مجالات الحياة يعتمد على الأخذ بزمام الأسباب، وكلنا يعلم حجم الجراح في معركة أحد، وهي المعركة التي شارك فيها الخيار من الصحب الكرام رضي الله عنهم، المتحلقون حول النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا الجيل لم يقترف ذنوبا وفق منطق تفكيرنا، فهم الصوَّامون القوَّامون، ومع ذلك لم يتحقق لهم النجاح في إحدى المعارك المفصلية، مما دفعهم للتساؤل (( أَنَّى هَذَا ))

فيأتيهم البيان القرآني ليقرر أن سنن الحياة لا تنحاز إلى أحد، ولو كان هو الذي يمثل الفئة المؤمنة، ويقدم لهم الرؤية الكونية التي تقوم عليها الحياة، فيخاطب عقولهم: (( قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ))

وكأن البيان الإلهي يقول لهم: إن الخلل كامن بين جوانحكم فقد أخفقتم في جانب الأسباب، ومن لم يمسك بزمامها فسوف لن يتمكن من تحقيق النصر.

فيا ترى هل سنبادر بتصحيح هذه المفاهيم ونكون موضوعيين، ونعترف بأن هناك خللا في جوانب مختلفة في حياتنا، بدل أن نبقى ندور في هذه التصورات التي أقعدتنا عن ركب الحضارة والعمران

هل سنعترف بأن مناهجنا التربوية بحاجة إلى التركيز على الإنسان بحد ذاته باعتباره قيمة تستحق العناية، كما أصَّل البيان القرآني القيمة الإنسانية بقول المولى تبارك وتعالى: ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ))

هل سنعترف بأن أنظمة إدارة الحياة لدينا ( أنظمة المرور/ أنظمة المؤسسات الحكومية/ أنظمة المؤسسات التعليمية/ أنظمة الزراعة والصناعة ) ما زالت في مراحلها الجنينية قياسا على ما قدمه العقل الإنساني في أمم الأرض الأخرى،

فهي بحاحة إلى جهود منا لإصلاحها وهذا ما أمرنا به الله عزو جل بقوله: ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ))

فالإحسان هو الإتقان، والاتقان هو إحكام العمل

وقد جعل المولى الإحسان مقابلا لسوء العمل أيا كان هذا العمل، فقال: (( وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى )).

إذا علمنا هذا واستقر في عقولنا أدركنا أن نظام الحياة يعتمد على الأسباب الموضوعية التي لا تحابي مصليا لصلاته، أو صائما لصومه، مع التأكيد على عظمة هذه الفروض وأهميتها

إلا أن الذي فرض هذه الفروض هو الذي قال لنا: ((وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ))

فمن مد يده لأسباب التقدم والرقي وتعاطى معها قطف النتائج، ومن تراخى واتكل ظل مراوحا في مكانه

مدونة أشرقت

Post a Comment

أحدث أقدم

اعلان اسفل القائمة العلوية

اخفاء القائمة الجانبية من الرئيسية