كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه بقلم :الشيخ الدكتور ريان توفيق خليل
لا شك أننا نفخر بما لدينا من قيم يزخر بها ديننا، نفخر بقيمة العدل والأمانة والإحسان، ونتباهى بقيمة العلم والمعرفة، ونرفع رؤوسنا بقيمة احترام الإنسان التي نادى بها الخطاب القرآني في أكثر من مناسبة، وفي الوقت ذاته نتحسر عما آلت إليه الأمور في واقعنا، ولو نطقت هذه القيم لقالت:
ما للمنازل أصبحت لا أهلها
أهلي ولا جيرانها جيراني
وتدور حوارات للبحث عن مخرج لهذه الأزمة، إلا أن أكثرها ينظر للمشهد من بعض الزوايا، وتضيق زاوية نظره عن استيعاب أسباب الأزمة، وتشكلاتها المختلفة، وبذلك تكون الرؤية قاصرة
كما أن من عادتنا أن نلقي المسؤولية على غيرنا، وكأننا قد أدينا ما علينا، ونقنع أنفسنا أن الخلل إنما هو بسبب ضمور فاعلية الأطراف الأخرى.
هناك من يختزل المشهد في الخطاب الديني، ولا سيما خطبة الجمعة، فيقول: منذ عقود والضخ الخطابي لم يتمكن من تغيير الواقع، فما زال المنكر منكرا، وما زال الخلل يهيمن على مفاصل الحياة، بل ربما أفرزت الظروف الراهنة نوعا من الانزياح عن القيم، والذوبان في بعض الثقافات الوافدة..
ومع التسليم بأن هناك قصورا في دور خطبة الجمعة، إلا أن هذه الرؤية تنظر إلى الأزمة من زاوية حادة، فلا يمكن أن ترصد جوانبها المتسعة، إلا إذا تحولت إلى زاوية منفرجة؛ ليتاح لها رصد المشهد برمته.
ويكمن غبش هذه الرؤية في تحميل خطبة الجمعة وحدها مسؤولية التغيير، وكأن الخطيب هو الذي يملك زمام الأمر كله، فهو مطالب بعرض الحكم التكليفي للمسائل والنوازل المختلفة، كما أن عليه أن يصحح الخلل في الأفهام المتعلقة في النص بقدر مكنته العلمية، كما عليه أن يتابع الواقع الاجتماعي، ويعمل على إذابة النتوءات التي تعيق حركة المجتمع، وربما يطالبه البعض أن ينخرط في السياسة، ومتابعة حال الخدمات ونحوها،
فالخلل في هذا الغبش يكمن في اختزال مسؤولية الإصلاح، والبث القيمي في خطبة الجمعة فحسب، وإغفال مسؤولية القطاعات الأخرى التي خفتت فاعليتها في العقود الأخيرة، أو سكنت بالكلية.
إن الإصلاح هو عمل جماعي إن اختل مفصل منه انعكس على الأداء العام، كما هي الحالة في فريق كرة القدم، فإذا كان الخط الدفاعي مثلا يؤدي مهمته، والخطوط الأخرى تتراخى عن واجبها، أو تتواجد في الملعب لإكمال النصاب فسوف لن يحقق الفريق مهمته.
لا بد أن يستقر في عقولنا أن الإصلاح عمل تضامني، لا يمكن أن تضطلع به جهة واحدة
فما لم تمارس المؤسسة التربوية دورها في غرس القيم ابتداء من رياض الأطفال، ومرورا بالمراحل الأخرى، وانتهاءً بالتعليم العالي، فإن الميزان سيكون مختلا
وما لم تمارس الأسرة دورها الريادي في صناعة الإيجابية لدى أبنائها، والضخ القيمي في عقولهم وقلوبهم، فإن الميزان سيظل مختلا
وما لم يمارس المجتمع دوره التفاعلي والرقابي، فإن الميزان سيبقى مختلا
لقد حكم المولى على بني إسرائيل في مرحلة من مراحل حياتهم باللعنة فقال: ((لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ )) وبين جل شأنه أن سبب استحقاقهم هذا الوصف يدور حول أمرين، هما:
المعصية والعدوان
فقال: ((ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ )) والعدوان هو تجاوز للحد الذي فطر الله الناس عليه
فالغش تجاوز للحد، والظلم والكذب تجاوز للحد، والإهمال في العمل تجاوز للحد، والفوضى في المؤسسات الخدمية تجاوز للحد..
ثم يشير البيان القرآني إلى أن أبرز صورة للعدوان هي ترك الرقابة المجتمعية لميزان القيم، فقال: (( كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )) فعندما يصل المجتمع إلى حالة من فقدان التوازن القيمي، فلا يؤشر على الأخطاء، ولا يمارس دوره في تعزيز القيم وبثها، بل وتهيئة الرأي العام لتقبلها وتمثلها، ورفض الممارسات التي من شأنها أن تقوضها ، فإن الميزان يختل .
وبناءً على ما تقدم فإن الخروج من أزمتنا الحالية يكمن في تكامل أدوار القطاعات المختلفة، وعدم إهمال أي طرف
فلا بد أن تعود مؤسسة التربية والتعليم إلى مضمون هذا العنوان، وعدم الاكتفاء بشكله الجذاب
ولابد للأسرة أن تستأنف بثها القيمي، ولا تستكين لضغط الواقع وأزماته
ولا بد للمجتمع بمؤسساته الثقافية ورموزه أن يرفع صوته عاليا، ويستنكر كل ما من شأنه أن يجعل المنظومة القيمية تتهاوى..
عند ذاك فإننا سنكون قد خطونا الخطوة الصحيحة، وتحولنا من مجرد ناقدين أو متحسرين إلى عناصر فاعلة ومؤثرة في المشهد العام، وتخطينا حالة السلبية المتمثلة في تحميل المسؤولية لغيرنا، وتحولنا من إطلاق الآهات إلى المساهمة في الإصلاح والبناء
لا شك أننا نفخر بما لدينا من قيم يزخر بها ديننا، نفخر بقيمة العدل والأمانة والإحسان، ونتباهى بقيمة العلم والمعرفة، ونرفع رؤوسنا بقيمة احترام الإنسان التي نادى بها الخطاب القرآني في أكثر من مناسبة، وفي الوقت ذاته نتحسر عما آلت إليه الأمور في واقعنا، ولو نطقت هذه القيم لقالت:
ما للمنازل أصبحت لا أهلها
أهلي ولا جيرانها جيراني
وتدور حوارات للبحث عن مخرج لهذه الأزمة، إلا أن أكثرها ينظر للمشهد من بعض الزوايا، وتضيق زاوية نظره عن استيعاب أسباب الأزمة، وتشكلاتها المختلفة، وبذلك تكون الرؤية قاصرة
كما أن من عادتنا أن نلقي المسؤولية على غيرنا، وكأننا قد أدينا ما علينا، ونقنع أنفسنا أن الخلل إنما هو بسبب ضمور فاعلية الأطراف الأخرى.
هناك من يختزل المشهد في الخطاب الديني، ولا سيما خطبة الجمعة، فيقول: منذ عقود والضخ الخطابي لم يتمكن من تغيير الواقع، فما زال المنكر منكرا، وما زال الخلل يهيمن على مفاصل الحياة، بل ربما أفرزت الظروف الراهنة نوعا من الانزياح عن القيم، والذوبان في بعض الثقافات الوافدة..
ومع التسليم بأن هناك قصورا في دور خطبة الجمعة، إلا أن هذه الرؤية تنظر إلى الأزمة من زاوية حادة، فلا يمكن أن ترصد جوانبها المتسعة، إلا إذا تحولت إلى زاوية منفرجة؛ ليتاح لها رصد المشهد برمته.
ويكمن غبش هذه الرؤية في تحميل خطبة الجمعة وحدها مسؤولية التغيير، وكأن الخطيب هو الذي يملك زمام الأمر كله، فهو مطالب بعرض الحكم التكليفي للمسائل والنوازل المختلفة، كما أن عليه أن يصحح الخلل في الأفهام المتعلقة في النص بقدر مكنته العلمية، كما عليه أن يتابع الواقع الاجتماعي، ويعمل على إذابة النتوءات التي تعيق حركة المجتمع، وربما يطالبه البعض أن ينخرط في السياسة، ومتابعة حال الخدمات ونحوها،
فالخلل في هذا الغبش يكمن في اختزال مسؤولية الإصلاح، والبث القيمي في خطبة الجمعة فحسب، وإغفال مسؤولية القطاعات الأخرى التي خفتت فاعليتها في العقود الأخيرة، أو سكنت بالكلية.
إن الإصلاح هو عمل جماعي إن اختل مفصل منه انعكس على الأداء العام، كما هي الحالة في فريق كرة القدم، فإذا كان الخط الدفاعي مثلا يؤدي مهمته، والخطوط الأخرى تتراخى عن واجبها، أو تتواجد في الملعب لإكمال النصاب فسوف لن يحقق الفريق مهمته.
لا بد أن يستقر في عقولنا أن الإصلاح عمل تضامني، لا يمكن أن تضطلع به جهة واحدة
فما لم تمارس المؤسسة التربوية دورها في غرس القيم ابتداء من رياض الأطفال، ومرورا بالمراحل الأخرى، وانتهاءً بالتعليم العالي، فإن الميزان سيكون مختلا
وما لم تمارس الأسرة دورها الريادي في صناعة الإيجابية لدى أبنائها، والضخ القيمي في عقولهم وقلوبهم، فإن الميزان سيظل مختلا
وما لم يمارس المجتمع دوره التفاعلي والرقابي، فإن الميزان سيبقى مختلا
لقد حكم المولى على بني إسرائيل في مرحلة من مراحل حياتهم باللعنة فقال: ((لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ )) وبين جل شأنه أن سبب استحقاقهم هذا الوصف يدور حول أمرين، هما:
المعصية والعدوان
فقال: ((ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ )) والعدوان هو تجاوز للحد الذي فطر الله الناس عليه
فالغش تجاوز للحد، والظلم والكذب تجاوز للحد، والإهمال في العمل تجاوز للحد، والفوضى في المؤسسات الخدمية تجاوز للحد..
ثم يشير البيان القرآني إلى أن أبرز صورة للعدوان هي ترك الرقابة المجتمعية لميزان القيم، فقال: (( كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )) فعندما يصل المجتمع إلى حالة من فقدان التوازن القيمي، فلا يؤشر على الأخطاء، ولا يمارس دوره في تعزيز القيم وبثها، بل وتهيئة الرأي العام لتقبلها وتمثلها، ورفض الممارسات التي من شأنها أن تقوضها ، فإن الميزان يختل .
وبناءً على ما تقدم فإن الخروج من أزمتنا الحالية يكمن في تكامل أدوار القطاعات المختلفة، وعدم إهمال أي طرف
فلا بد أن تعود مؤسسة التربية والتعليم إلى مضمون هذا العنوان، وعدم الاكتفاء بشكله الجذاب
ولابد للأسرة أن تستأنف بثها القيمي، ولا تستكين لضغط الواقع وأزماته
ولا بد للمجتمع بمؤسساته الثقافية ورموزه أن يرفع صوته عاليا، ويستنكر كل ما من شأنه أن يجعل المنظومة القيمية تتهاوى..
عند ذاك فإننا سنكون قد خطونا الخطوة الصحيحة، وتحولنا من مجرد ناقدين أو متحسرين إلى عناصر فاعلة ومؤثرة في المشهد العام، وتخطينا حالة السلبية المتمثلة في تحميل المسؤولية لغيرنا، وتحولنا من إطلاق الآهات إلى المساهمة في الإصلاح والبناء
إرسال تعليق